رواية راائعة للكاتبة سارة المصري مكتملة ( مذاق العشق المر )
المحتويات
ليلة لحظات مرت من الصمت المطبق لا يقطعها سوى صوت دقات الساعة الأنيقة العملاقة في بهو القصر الواسع متناغمة مع ارتطام الأشواك بالأطباق الصينية الفخمة صانعة نغمة مملة قطعها زين بخفته المعتادة قائلا وحدوه يا جماعة ايه السكوت ده
ردد الجميع فى خفوت لا اله الا الله ابتسمت سمر وهي ترفع رأسها تتأمله في حب وهو لم يلحظها كالعادة فعادت تنظر إلى طبقها مجددا في خيبة أمل لحظتها سميرة فتنحنحت وهي تنظر الى محمود تخبره بنظرة ما رأته ليبتسم لها ويخبرها بنظرة أخرى أنه رأى كل شىء فابتسمت وهي تنظر الى الجميع قائلة أخبار الشغل ايه ياولاد
وضعت سميرة كفيها تحت ذقنها وقالت وهي تتظاهر بالبراءة مين ايلينا دي
رد يوسف قائلا في اهتمام واضح وهو يشير بشوكته دي بنت اشتغلت معانا من فترة ذكية جدا وعندها خبرة كبيرة رغم سنها الصغير النهاردة عرضت عليا فكرة عمرها ما جت فى بال حد وأنا واثق انها هتنجح وأكمل يوسف حديثه عنها في حماس وهو يستعرض فكرتها ويشرحها بالتفصيل بينما تتابعه سميرة فى سعادة وتختلس النظرات الى محمود بين الحين والاخر بحوار لا يفهمه غيرهما وحين انتهى يوسف قال محمود في اعجاب والله بنت هايلة الفكرة كويسة وهتخلى منتجاتنا تاخد فرصة أعلى في التسويق
ارتبك يوسف وتباطىء في مضغ طعامه وهو يبحث عن رد مناسب حتى ازدرده دون ان يكمل مضغه وهو ېكذب ما رأته أمه عن أي حماس تتحدث قال زين بابتسامة وباعجاب يشوب نبرات صوته هيا تستاهل بصراحة هايلة جدا بنت ممتازة غصت سمر بطعامها فلم يلحظها زين كالمعتاد واحمر وجهها خجلا حين وجدت سميرة تلاحظ ما هي فيه وتشير لها برأسها أن تتناول كوب الماء أمامها فأخذته لتسكبه بأكمله في جوفها في توتر للمرة الأولى تلحظ نبرة اعجاب في صوت زين وهو يتحدث عن فتاة عليها أن تتحرك قبل أن يضيع منها للأبد أما يوسف فلا يعرف لما تضايق من وصف اخيه وأنكر هذا الضيق على نفسه وحاول اخفائه بكل طريقة متظاهرا بتناول طعامه ولكن كاميرتي المراقبة الخاصتين بأمه كانت تسجل كل شىء في دقة وتخزنه في سلاسة وسعادة تملؤها أن ولدها بالفعل اخذ اول خطواته فى الطريق الذى تتمناه فيه وأن هناك من تمكنت من تحريك أي شىء ولو قليل من اهتمامه حاول يوسف تغيير دفة الحوار بأكمله قائلا أومال فين ايتن
نهض محمود قائلا أنا هطلع اشوفها وبالمرة أشرب قهوتى في الجنينه
كانت ايتن تتحدث فى الهاتف بصوت منخفض نسبيا وأقرب للهمس حين وجدت حسام يقف أمامها فجأة انتفضت فى هلع وكاد الهاتف يسقط من يديها لولا ان التقطته فى اللحظات الاخيرة رفع حسام كفه وقال في اعتذار أنا آسف خضيتك مكنش قصدى
حك حسام رأسه في خجل معتاد وهو يحاول أن يبحث عن كلمات ليقولها ويفتح ثغره ويغلقه كل لحظة وهو يقول اااا انتي انتي كويسة
تأملته ايتن فى حنق وهي تضغط الهاتف بيدها قائلة اه أنا كويسة وكتفت ذراعيها في انتظار ما يريد قوله حتى زفرت فى نفاذ صبر قائلة حسام انت عاوز حاجة
ردت بصوت مرتفع ينم عن ڠضبها أومال واقف هنا ليه
تراجع حسام فى احراج قائلا انتي متضايقة اني واقف معاكي
مررت ايتن يدها على وجهها كمحاولة لتهدأ وقالت حسام احنا عايشين فى بيت واحد وبنشوف بعض كل يوم وانت واقف قدامي بقالك ربع ساعة ومش عارفة انت عاوز ايه وانا بصراحة عايز اكمل مكالمتي ممكن
لا يعرف ماذا يقول بل
يفقد النطق تماما ملت مشاعره الثرثرة بداخله وأصابته بالضجر من طيلة حپسه لها في صدره فهي تريد الانطلاق تريد التحليق الى أبعد مدى في سماء محبوبته العنيدة لو كان بامكانه ان يعطى لتلك المشاعر فرصة مجرد فرصة لتتحدث هى كم يتمنى لو ان آيتن شعرت به و انت بتعمل ايه هنا
انتفض حسام فى فزع على صوت عمه ليفيق من شروده ليجد ايتن قد رحلت وعمه يقف امامه تلعثم حسام فى الرد ونظر حوله في ارتباك كاللص الذي ضبط متلبسا وقال أنا أنا كنت لسة راجع من الشغل
مال اليه عمه وقال في صرامة تعالى ورايا
عدل حسام من نظارته كالعادة ان توتر وتبع عمه الى الداخل وقبل أن يصل محمود الى مكتبه ويغلقه عليهما طلب من أحد الخدم استدعاء يوسف جلس محمود الى مكتبه يتمعن فى حسام للحظات حتى قال في جدية بتحب ايتن مش كدة
اتسعت حدقتا حسام فى صدمة وأخفض رأسه وهو يحكها فى خجل لا يعرف هل يستجوبه عمه أم يوبخه أخذ عمه يطرق المكتب بأنامله فى غيظ قائلا والله البنات حتى ما بقو بكسوفك ده يا اخي ما ترد يا بني
رفع حسام رأسه في بطء وتلاشى نظرات عمه بقدر الامكان وهو يرد في حياء وبصوت هادىء أنا مبتمناش حاجة من ربنا غير ايتن
تراجع عمه فى كرسيه قائلا وايه اللى مسكتك لحد دلوقتي بقا
وقبل أن يرد طرق يوسف الباب فقال ابوه وهو يشير له بكفه تعالى يا يوسف
نظر محمود الى حسام قائلا بابتسامة ذات مغزى كل خير ان شاء الله حسام طلب ايد ايتن وانا وافقت
عقد يوسف حاجبيه في دهشة بينما اتسعت حدقتي حسام وتدلى فكه فى بلاهة محاولا النطق فتشنجت عضلات لسانه بفعل الصدمة ولم تسعفه بحرف واحد فقال عمه وهو يطالعه في استمتاع واضح ايه مالك تنحت كدة ليه كنت ناوي تفضل العمر كله تحبها في صمت ولا ايه
حاول حسام النطق ففتح ثغره عدة مرات قبل أن يتحرك لسانه أخيرا مطلقا جملته المبعثرة بين الفرحة والخۏف عمي بس ايتن ممكن متوافقش
ضحك عمه قائلا في بساطة غريبة ده مش ممكن ده أكيد
ارتسمت البلاهة على وجه حسام فواصل محمود في جدية حافظ فيها على ابتسامته بص يا حسام ايتن فى الاول وفى الآخر عيلة وانت رغم انك لخمة بس راجل ويعتمد عليك ومش هلاقي لبنتي احسن منك
تنهد حسام في حزن قائلا أيوة بس مش لدرجة انك تغصبها
قال محمود وهو يلوح بكفيه ومين قال اني هغصبها انا بس هديكو فرصة تعرفو بعض عن قرب ولو هيا فضلت على رأيها يبقا خلاص بس خلي بالك دى هتبقى فرصتك الوحيدة يا حسام
هز حسام رأسه قائلا في تردد يا عمى بس انا خاېف من
قاطعه محمود فى صرامة وهو يشير بسبابته قائلا كلمة واحدة يا حسام عايز ايتن ولا لا
أغمض حسام عينيه للحظات هو بالطبع لا يملك سوى اجابة واحدة عقدت لسانه مجددا عن أي رد غير طبعا يا عمى انت بتسألني
قال محمود في ارتياح خلاص يبقا تسيبها عليا وملكش دعوة بحاجة وأشار بيده مواصلا روح انت دلوقتي ارتاح
وبعد ان تركه حسام نظر الى يوسف الذى بدا شاردا فى عالم اخر ولم يعقب تماما طيلة الحوار على عكس عادته فناداه وهو يدق بقلمه على المكتب قائلا روحت فين يا بني
نظر له يوسف نظرة يعيها محمود جيدا وقال بابا انا مش موافق على اللى بيحصل ده
حك محمود جبينه بيده قائلا ليه شايف ان حسام يتعايب فى حاجة
رفع يوسف حاجبيه فى تفكير قائلا بالعكس حسام مش هنلاقي احسن منه لايتن واضاف بصوت منخفض وهو يميل الى ابيه بس بنتك مش عايزاه
مد محمود شفتيه قائلا اختك دي حته عيلة مش عارفة مصلحتها وكمان طايشة وممكن أي حد من شباب اليومين دول يلف دماغها ويضحك عليها بكلمتين عشان طمعان فى فلوسها أنا واثق انها لو ادت لنفسها فرصة انها تعرف حسام هتحبه هوا صحيح الواد خيبة ومخبل بس احنا عارفينه وعارفين اخلاقه عاملة ازاي
نظر يوسف لوالده لحظات ونهض بعدها قائلا وهو يشيح بوجهه فى الاتجاه الاخر حضرتك كدة بتعيد التاريخ من تانى
نهض محمود بدوره ونظر الى يوسف پغضب قائلا يوسف أختك مش زيها وكفاية بقا اللى انت بتعمله فى نفسك وفينا ده اطلع من اللى فات بقا يا يوسف كفاية
حاول يوسف ان يميل عن هذا الطريق ويأخذ الحديث الى منحنى اخر ليجنب نفسه ألما ليس في حاجته الان فقال محاولا تلطيف الأمور وأنا بعمل ايه مضايقكو بس
قال والده بسخرية امتزجت بغيظ بتعمل ايه لحد دلوقتى قاعدلنا من غير جواز
ابتسم يوسف وهو يحول الأمر لمزحة كالعادة قائلا وده عشان كل اللى بتجبهوملي ماما سورى يعنى عاهات
لم يتمالك محمود نفسه فضحك قائلا حرام عليك بقا القمرات دول عاهات
مرر يوسف يده فى شعره قائلا بابا انا مش بتكلم عن الشكل انا بتكلم عن ده واشار بسبباته الى رأسه
جلس محمود من جديد وهو يقول خلاص يا يوسف انت رجل اعمال كبير وبيورد عليك اشكال والوان معقول ولا واحدة قدرت تلفت نظرك وفجأة لاحت صورة ايلينا فى خياله دون ان يشعر لاحت كأنها اجابة وحيدة على سؤال أبيه اجابة أقر خطأها بسرعة وهو يطرح صورتها بعيدا ويقول فى ضيق بابا انت عارفني انا بتاع شغل وبس ومبحبش ادخل اى امور شخصية فيه
لوى محمود فمه قائلا في تذمر طيب ابقى شوفلك صرفة بقا مع امك ليجرالها حاجة من تحت راسك
عقد يوسف حاجبيه قائلا يعنى هوا مفيش
غيرى ما عندكو زين اهو ركزو معاه شوية
اشار محمود بيده في يأس قائلا سلامتك روح ارتاح
تركه يوسف وهو يفكر في كل ما كان ينتوي فعله كلمات سمير الأخيرة ووصيته له بأبنائه جعلته يفكر فى التراجع هو يعرف يوسف جيدا ويكاد يجزم أن ايلينا ستغير فيه الكثير وتنتشله من بركة الماضى السحيقة التي يغوص فيها ولكن كيف يجازف هكذا بانسانة كيف يفكر فى
ابنته
متابعة القراءة